جامعة أحمد دراية - أدرار
الجامعة الإفريقية سابقا

الشهيد محمد العربي ابن مهيدي (1923م-1957م)

“ألقوا بالثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب”

 

يعد الشهيد مهيدي من الرعيل الأول الذين ساهموا في إعلان وتفجير الثورة، وهو عضو لجنة الستة التي حملت على عاتقها مسؤولية الكفاح المسلح، ولد ابن مهيدي محمد العربي سنة 1923 بعين امليلة عرش الكواهي ولاية أم البواقي، والده عبد الرحمان وأمه قاضي عائشة،  درس بالكتاتيب وحفظ ما تيسر من القرءان، ثم زوال دراسته الابتدائية والإعدادية بمدرسة «لافيجري» بناحية الزيبان (بسكرة)، ليتوقف عن الدراسة بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، ويشتغل بمهنة التجارة خاصة تجارة التمور الذي كان يمارسها والده، بالإضافة إلى بعض الأعمال الحرة.
أول خطوة خطاها ابن مهيدي في طريق الحياة السياسية هي انخراطه في الحركة الرياضية والكشفية ببسكرة سنة 1939 تحت إشراف حزب الشعب الجزائري، ثم بعد ذلك انتقل إلى قسنطينة وهناك أحتك بالشيخ مبارك الميلي وجمعية العلماء المسلمين، ثم انضم إلى  حركة «أحباب البيان والحرية» التي أسسَّها فرحات عباس وعيّن فيها كاتباً بإحدى نوادي الحركة.
شارك في مظاهرات ماي 1945 بفعالية كبيرة واعتقل على إثرها وأودع سجن الكدية بقسنطينة لمدة ثلاثة (03) أشهر، ساهم بعد ذلك في تأسيس حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946م، وفي سنة 1947 أيّد بقوة تأسيس المنظمة الخاصة الجناح العسكري للحزب، وكان من بين إطاراتها البارزين بصفته نائب مسؤول المنظمة (محمد بوضياف) على مستوى الشرق الجزائري.
وعند اكتشاف الجناح العسكري للحزب سنة 1950، نجا ابن مهيدي من مخالب البوليس، واضطر إلى التخفي عن الأنظار ومواصلة النشاط بأسماء مستعارة تتغير بين الحين والآخر، وكان بارعاً في تقمص الشخصيات حتى أصبح يعرف بـ”الرجل ذو العشرين وجهاً”، صدر على إثرها في حقه حكماً غيابياً بـ10 سنوات سجناً.
عند انفجار الأزمة الحزبية كان ابن مهيدي من العناصر التي لازمت الحياد وأسست «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» لغرض إصلاح العطب الذي حلَّ بالحزب. كما كان عنصرا فاعلا في اجتماع 22 التاريخي، وتم انتخابه ضمن مجموعة الخمسة، والتي أصبحت فيما بعد مجموعة السته، وخلال اجتماع الأخيرة في أكتوبر 1945 أسندت إليه مهمة تفجير وإعلان الثورة في المنطقة الخامسة (وهران)، ورغم قلة الإمكانيات في هذه المنطقة إلاَّ أن البطل كان حاضراً في الموعد، وبعد إشعال فتيل الثورة بما عنده من إمكانيات متواضعة إن لم نقل معدومة اضطر القائد إلى السفر والاتصال بالوفد الخارجي بالقاهرة لتموين المنطقة وتزويدها بالسلاح وذلك نهاية 1955 وبداية 1956.
عندما حاول الوفد الخارجي تشكيل «اللجنة العليا للثورة» رفض ابن مهيدي الفكرة وعارضها بشدة أثناء التقائه بمحمد بوضياف «بالناظور» مبرراً موقفه بحجة أن الظروف لم تحن بعد لتأسيس تلك اللجنة. وقال في هذا الخصوص: «إن الشعب يموت ولا حاجة لتكوين قيادة ليس لديها الإمكانيات اللازمة للتسيير من داخل البلاد، ومن أفدح الأخطاء أن تنفصل الإدارة عن الشعب».
إن القدرات العالية التي أبرزها الشهيد بن مهيدي في منطقة وهران رغم قلة الإمكانيات، هي من أهلته وفرضته رئيساً على مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 بهدف تنظيم الثورة وإعادة هيكلتها سياسياً وعسكرياً، وخلال هذا المؤتمر تم تعيينه عضواً في «لجنة التنسيق والتنفيذ» وهي تمثل القيادة العليا والمركزية للثورة، وبفضل ذكائه وتفانيه في العمل وغزارة أفكاره أطلق عليه زملاءه لقب «صندوق الأفكار»، كما أبلى البطل بلاءً حسناً في معركة الجزائر الشهيرة سنة 1957 والتي أعطت دفعاً قوياً للثورة، تلاها إضراب الثمانية (08) أيام وذلك باقتراح من ابن مهيدي الذي أراد من خلال هذا الإضراب لفت أنظار الرأي العام الدولي إلى قضية الشعب الجزائري، وذلك تزامناً مع انعقاد الدورة الثانية عشر (12) للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أدّى إضراب الثمانية أيام إلى فرض حصار رهيب على مختلف الأحياء الشعبية في العاصمة، وخاصة “حي القصبة” أين يختبئ ابن مهيدي، ففي الوقت الذي كانت فيه قوات “ماسو” تبحث عن ابن يوسف بن خدة وجدت بين يديها -دون أن تصدق ما حصل- ابن مهيدي العدو رقم (01) حاملاً لبطاقة تعريف مزيفة تحمل اسم “عبد الرحمن عيبود”، وكان ذلك يوم 16 فيفري 1957 حسب تصريحات الجنرال “ماسو” في كتابه “معركة الجزائر الحقيقية”.
وهنا تنتهي حياة البطل النضالية وتبدأ مرحلة ثانية لا تقل أهمية عن الأولى عانى فيها البطل معاناة قوية، ولقي فيها من التعذيب والتنكيل مالا يقدر عليه بشر، ومن جملة التعذيب الذي تعرض له سلخ جلدة رأسه، وإدخال قضيباً حديدياً محمراً بالنار في فمه، وجميع تلك العقوبات قابلها ابن مهيدي بصبر أيوب حتى استشهد البطل دون أن يبوح بسر واحد من أسرار الثورة.
إن صبر ابن مهيدي وعزيمته وحبه للوطن جعل خصمه بيجار يعترف بشجاعته حين قال: “لو أملك عشرة (10) رجال مثل ابن مهيدي لفتحت العالم“. ويقول عنه النقيب آلير وكان من جلاديه: “كان رجلاً هادئاً، في قمة الصفاء، لم يكن خائفاً ولم يكن قلقاً.. يجب الاعتراف بالعظمة والشجاعة للخصم، حتى اسمه الثوري كان حكيماً.. آلمني فقدان رجل مثله
 وباستشهاد ابن مهيدي تكون الثورة الجزائرية قد فقدت نصف (½) لجنة الست التي أشرفت على تفجير وإعلان الثورة.
من أقوال الشهيد الخالدة:
– “ألقوا بالثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب”.
         -“قادة الثورة هم وقودها”.
– “أعطونا طائراتكم ومدافعكم نعطيكم قففنا”.
– “أمرت نفسي أن لا أبوح بسر”.
 “أريد أن أُعذب حتى أتأكد من أن جسدي الفاني لن يخونني”– 
– “إنكم ستهزمون، لأنكم لم تعودوا تؤمنون بشيء… إنكم تمثلون الماضي… أما نحن فنمثل المستقبل… لئن مت فهناك الآلاف الجزائريين سيأتون من بعدي لمواصلة الكفاح من أجل عقيدتنا ووطننا”.
– “إذا ما استشهدنا دافعوا عن أرواحنا، نحن خُلقنا من أجل أن نموت لكي تستخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة.

 

مقالات ذات صلة ...