جامعة أحمد دراية - أدرار
الجامعة الإفريقية سابقا

ساحةُ الشُّهداء بأدرار تاريخٌ وذاكرة مدينة

سيطرَ الجنرال سيرفيير Servière قائد القوات الفرنسية على تيمي مركز توات في 10 فبراير 1901م،

وسرعان ما احتل القصبة القديمة التي أصبحت تُعرَف بحصن جاك (قُتل هذاالنقيب الفرنسي في المطارفة عام 1900م).بعدذلك ، وبسرعةكبيرة ، ظهرت الحاجة إلى توسيع الموقع وتمَّ دمج Fort Jacques في المجمع الجديد: Fort  Servière ،في سنة 1902.أصبحت بذلك أدرار مدينة إدارية و عسكرية،تم إنشاء وحدتها الإقليميةبموجب قانون 24 ديسمبر 1902م… خلفت بذلك تيمي بُعدَها الحضاري.

إثر ذلك تقرر إنشاء مدينة جديدة، بمرافق جديدة.بُنيت أولُ كتل المباني في الفترة من 1901 إلى 1925م. على شكلٍ هندسي شبه منحرف،يبلغ مساحته حوالي عشرة هكتارات”. في قلب المدينة انتصبت ساحة لابيرين Place Laperrine: 150 مترً افي 250 مترًا،وهي مساحةتعتبر ضرورية لفصل القوات العسكرية إلى الجنوب، مساحة فريدة مننوعها، فضاء واسع على مدِّ البصر.
كان ذلك عرفاناً فرنسياً بالإنجازات المتتالية التي طرَّزت سجل الجنرال لابيرين،واسمه الكامل Marie Joseph François Henry Laperrine، منذ الفاتح من شهر أبريل سنة 1902م، حين أعلن عن تأسيس سرايا المهاري الصحراوية Les Méharistes، وقَصَّ شريط البداية بتنصيب الكتيبة المهارية لأقاليم منطقة توات بوسط الصحراء الكبرى، إلى أنْ لُقِّب لاحقاً بلقبٍ جديد هو: صانع السلام في الصحراء !«pacificateur du Sahara»

اتصلت “ساحة لابيرين” أثناء الفترة الاستعمارية بمحيطها الأدنى وامتدادها الأقصى، بفضل أربع بوابات ضخمة، على شكل أقواس من الطين المقوى:
01ــ باب رقان: من الجهة الجنوبية الشرقية للساحة، باتجاه القصور أو الواحات، على المسار الإمبراطوري العلوي، أو مسار الواحات السفلي.
02ــ باب تيميمون: من الجهة الشرقية، بمحاذاة فندق جميلة Hôtel Djamila، هذا الفندق الذي هُدِّمبعد الاستقلال، وعُوِّض بفندق توات بإدارة فرناند بويونFernand Pouillon.
03ــ باب كولمب بشار: من مدخل الساحة الغربي، بمحاذاة جامع الجيلاني،علماً أنَّ الضابط الفرنسي دي كولمب De Colombالذي اقترن اسمه ببشار كان أول من رسم خريطةً للمنطقة.
04ــ باب بوبرنوس: يقع جنوبَي غرب الساحة، هو بوابة العبور نحو المدينة الأصلية (قصور آدغاغ)،وأيضاً نحو بودة، ومنها إلىبوبرنوس (جنوبي تسابيت) منطقة النشاط التجاري وكذا العسكري الفرنسي آنذاك.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA
لم يغفل الفرنسيون عن إظهار خلفيتهم الصليبية ونزعتهم العسكرية القمعية، فأقاموا كنيسة كبرى في الطرف الجنوبي للساحة، على أعتاب ممرات “الأهالي” نحو قصورهم ومساكنهم؟خلفَ البرج العسكري الكبيرلقصبة “سيرفيير”. كما زوَّد الفرنسيون الجهة الشمالية للساحة بنقطتين لضخِّ الوقود.
فيمطلع مارس من سنة 1920م هوَتْ طائرة الجنرال الفرنسي هنري لابيرينHenry Laperrine على بسيطِ تنزروفت بسبب نقص البنزين، في أول عبور فرنسي جوي فوق هذه الصحراء، مما أدَّى إلى وفاة قائد الرحلة الجوية، وتمكَّن رفاقُه من انتشال جثته لاحقاً بمشقة كبيرة، باستخدام سيارات مخصَّصة للبحث، ولم يتمّ الوصول إلى جثَّته سوى بمعونة مفرزة من المهاري… الفِرق المخصَّصة التي قام هو بإنشائها مطلعَ القرن 20م.

بعد الاستقلال تزينت الساحة المركزية لمدينة أدرار باسم “ساحة الشهداء”، وأصبحت فضاءً مناسباً لإقامة مختلف الفعاليات: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية الفولكلورية… من مفارقات الأقدار أنَّ اسم “لابيرين” الدَّخيل لم يصمد طويلاً على يافطة تلك الساحة التاريخية، فقد هَوَى أمام أسماء صنَّاع الحرية والمجد، أهلِ الحقِّ والدَّار، الشهداءِ الأبرار… إنَّها “سَاحةُ الشُّهداءِ”.
**المراجع:
*Devors P. 1974. tome XXV: « Le Touat, étude géographique et médicale ».
*Gautier É.-F. 1923. La Conquête du Sahara, essai de psychologie politique, Paris.
*Godard J. (Cdt), 1954. « L’oasis moderne, essai d’urbanisme saharien », Alger.
*Shell (Société), 1955. Guide du tourisme automobile et aérien au Sahara, Alger.
 
الدكتور: أحمد بوسعيد

قسم العلوم الإنسانية

مقالات ذات صلة ...