جامعة أحمد دراية - أدرار
الجامعة الإفريقية سابقا

بيان أول نوفمبر وأثره في بناء الروح الوطنية

ملخص: يعتبر ”بيان أول نوفمبر 1954م” من أهم الوثائق التاريخية التي أسّست لمرحلة هامة من تاريخ الجزائر، و ربطت بين جيل الثورة و جيل الاستقلال وفق مبادئ وقيم سامية تجمع بين الحضارة و الإنسانية و صدق الانتماء للأوطان، لهذا كانت ثمرتها موضوعية واقعية أفضت إلى استقلال الجزائر والدفاع عن كل معاني الحرية و العدالة،  والسعي نحو حماية حقوق الإنسان في كل المجتمعات المضطهدة عبر العصور المختلفة.

 

لقد كان ”بيان أول نوفمبر 1954م” نتيجة حتمية لكل المراحل السابقة منذ دخول المستعمر الفرنسي إلى أرض الجزائر، و كان امتدادا لجهود المقاومات الشعبية في كل المناطق، بالموازاة مع النضال السياسي في الحركة الوطنية التي استمرّت ما يقارب نصف القرن من الزمن. وهذا كلّه من أجل تحقيق هدف نبيل وحق مشروع في كل الديانات والمواثيق والقوانين العالمية.
 إنّ تحرير ”بيان أول نوفمبر1954م”  قد حرص على توضيح الدافع الرئيسي لإعلان الثورة، فكان تعبيرا صادقا على الوضع العام الذي فرضته السياسة الاستعمارية الفرنسية المطبقة آنذاك. كما حدّد الأفكار الدقيقة والمنهج العملي الواضح الذي يضبط الكفاح المسلّح وتُبنى عليه الدولة الجزائرية الحديثة بعد الاستقلال.
 أمّا مضمون البيان فقد ركّز على الحالة العامة للشعب الجزائري والتشخيص الدقيق للظروف المأساوية التي أنتجها الاستعمار الاستيطاني:
– توضيح طبيعة الثورة وأهدافها وسُبل نجاحها، وعدم فصلها عن المصير المشترك لدول المغرب العربي، مع التنبيه إلى صعوبة المهمة وضرورة العمل بالأسباب ليكون النصر قريبا بإذن الله تعالى.
– ضرورة المزاوجة بين الكفاح المسلّح والنضال السياسي لتحقيق الأهداف وفق معايير وشروط واضحة تضمن حقوق الجزائريين في بلادهم.
– التأكيد على أنّ الثورة من الشعب وإلى الشعب، ولابدّ من إرجاعها إلى حضنها الطبيعي حتى تُؤتي أُكلها، لأن الشعب إذا آمن بفكرة الثورة واقتنع بأهدافها فإنه لا يتخلّى عنها، بل يسير بكل ما أُوتي من قوة  نحو تحقيق الهدف المنشود.

– كسب التأييد من الرأي العام العالمي والعربي وكل من ساند فكرة التحرّر للشعوب المستعمرة، وكلّ هذا لابدّ أن ترافقه الوسائل الإعلامية المختلفة والمُتاحة لتلعب دورا أساسيا في تشر وإنجاح المهمّة.


ومن خلال المفردات المستعملة في نص البيان نلاحظ الصياغة اللغوية الدقيقة التي فرضها واقع الحال، وتطلّبها الأسلوب البياني لتحرير النص: فاستهلاله مثلا بعبارة (أيّها الشعب الجزائري) يؤكد حقيقة واضحة تُؤثّر في العاطفة والعقل معا، أي هناك شعب جزائري قائم بذاته ولا يمكن إنكاره أو تغافله بين شعوب المستوطنين الذين جاء بهم المستعمر الفرنسي، وأنّ هذا الشعب هو الذي يُقرّر مصيره ويسعى إليه بتكاتف جهود أفراده وإخلاص النية في أقواله وأفعاله.

 لقد ركّز البيان على مبدأ الكفاح المسلّح لتحقيق الاستقلال في ظل الوحدة الوطنية بين جميع جهات الجزائر، والنظر إلى الأسس والمبادئ الواضحة التي تبني الدولة الجزائرية المستقلة، والتي قوامها الحرية والعدالة والديمقراطية، والوقوف مع السلم العالمي متى حُفظت حقوق جميع الأطراف المتنازعة، ومتى كانت العلاقات الدولية مبْنية على احترام السيادة والمصالح المشتركة بين دول العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها .

       وختاما أقول: إنّ ”بيان أول نوفمبر 1954م” أكبر من أن يكون وثيقة رسمية تاريخية محدودة بزمن معيّن، وإنما يُعتبر منهجا عمليا وأساسا متينا من حيث الشكل والمضمون لكلّ من أراد أن يفهم حقيقة المستعمر وحقوق الشعوب المضطهدة عبر العالم وفي كل العصور، ويُعدُّ أيضا منطلقا أساسيا لكل الشعوب التي تريد تنمية الروح الوطنية وتُترجم حُبّ الأوطان إلى إنجازات نافعة تُسهم في رفاهية الأفراد وازدهار المجتمعات.


 

الأستاذ ميلود سقار

قسم العلوم الإسلامية- جامعة أدرار
مقالات ذات صلة ...